مهارات التعبير والتواصل اللغوي / د حياة شتواني


مهارات التعبير والتواصل اللغوي

                                    بقلم: د  حياة  شتواني
                                                  كاتبة من المغرب
تقديــــــم:

         بادئ ذي بدء، نبادر إلى القول إن التعبير عن الأفكار واﻵراء ، ومحاولة التواصل اللغوي ، سواء المنطوق منه أو المكتوب ، ليس عملية سهلة كما قد يتصور البعض ، بل هو فن معقد يتطلب امتلاك ناصيته  ضرورة الإلمام  بعدد من المهارات والطرائق والإجراءات العملية والمعرفية المرتبطة بعدد من الحقول العلمية (علم النفس ، علم الاجتماع ،علم التاريخ.....).
ولعل ﻫﻨ ا ما ذهب إليه أحد الدارسين الغربيين حين عرف فن التعبير بأنه علم الصواريخ واصفا إياه بالفن المعقد بدرجة لا تصدق.
ولا يخفى ما لهذا الموضوع من أهمية بالغة وبخاصة في عصرنا هذا، عصر الاتصال والتواصل الذي يقتضي التجاوب معه القدرة على اكتساب أفضل مهارات التعبير وطرائقها الصحيحة، لنقل الأفكار و اﻵراء بكل وضوح دون الزج بالمتلقي في متاهات الغموض والتأويل.
وتروم هذه الدراسة بسط مجموعة من التوجيهات المنهجية حول عدد من مهارات التعبير والتواصل ، وذلك لإقدار المتلقي على اكتساب أهم أسس هذه المهارات وإجراءاتها العملية التي تسعفه على تمتين جسور التواصل  ووشائج الاتصال مع غيره ، وتمكنه من ﺁليات وأساليب الاشتغال على مختلف النصوص والمقامات التواصلية المكتوبة أو المسموعة.
وقبل رصد بعض هذه المهارات التواصلية ، وذكر أهم الأساليب المنهجية لاكتسابها ،يجدر بنا أولا تحديد مفهومها حتى يكون هذا الموضوع سهل التناول ، مفتوح المسارب أمام أعيننا. فما معنى مهارات التعبير والتواصل اللغوي؟

تحديد المفهوم:   
      
               مهارات التعبير و التواصل اللغوي هي طرائق التعبير وتقنيات الكتابة التي تجعل المتلقي قادرا على مقاربة النصوص المقروءة أو المسموعة، واكتشافها سعيا إلى التعبير عنها شفهيا أو كتابيا بصورة واضحة، وبشكل منظم ومركب.
وتندرج النصوص المقروءة في إطار التواصل اللفظي المكتوب؛ وتشمل النص الأدبي شعرا أو نثرا أو رواية ، والمقال الإخباري الصحفي ، وتبادل الرسائل ، وقائمة المراجع لكتاب معين ... ويكون التواصل مع النصوص المقروءة عبر قناة بصرية أو لمسية بالنسبة لفئة المكفوفين الذين يعتمدون على اللمس جهازا لاستقبال المعلومات من الكتاب أو الجريدة مثلا. أما النصوص المسموعة، فهي تندرج في إطار التواصل اللفظي المنطوق ،ويندرج فيها 

الحوار والاستجواب والمحادثة والخطبة والمحاضرة...  ويكون التواصل معها عبر قناة سمعية (مثل المذياع)، أو سمعية بصرية (مثل التلفاز). وغني عن القول إن مهارات التعبير والتواصل اللغوي عديدة ،وسنكتفي في  هذه الدراسة  برصد ست مهارات هي:

مهارة تدوين رؤوس الأقلام
مهارة التلخيص
مهارة التصميم المنهجي للموضوع
مهارة البحث عن المعلومات ومعالجتها
مهارة الاستدلال والبرهنة
مهارة المقارنة والموازنة

مهارة تدوين رؤوس الأقلام 

1- تحديد المفهوم
         تدوين رؤوس الأقلام « عملية تقنية تقوم على تسجيل المعلومات الأساسية من نص مسموع أو نص مقروء ، بأسلوب مقتضب ، وبعبارات جد مختزلة ،بحيث تظهر هذه المعلومات واضحة للعين ،ثم إعادة صياغتها باختصار وبأسلوب شخصي» (1)
وتشكل هذه العملية إحدى ﺁليات الاستيعاب ، وهي تسعف على تطوير الكفاءات الذهنية والثقافية للمتلقي ،وتجعله يتمرن على التفكير المنطقي  والعمل المنظم.

2-إجراءات تدوين رؤوس  الأقلام

يتطلب اكتساب هذه المهارة القيام بالإجراءات الآتية: 

- حصر الانتباه السمعي البصري ، وذلك عن طريق التوقف عند عدد المعلومات  وعند ترتيبها .

- التركيز من أجل فهم المعنى؛ فتدوين رؤوس الأقلام ليس عملية سهلة وبسيطة كما قد يتصورها البعض ، بل إنها تفرض قوة تركيز كبيرة ،وتتطلب مستوى من الذكاء لدى المستمع.

- تدوين الكلمات المفاتيح للنص المسموع أو المقروء: فعند تدوين رؤوس الأقلام ، علينا أن نميز الأساس المهم من الثانوي الأقل أهمية، فنختار الأفكار الأساس التي تناسب الهدف الذي نقصده . فمثلا عندما يستمع الطالب إلى الأستاذ المحاضر ،لا ينبغي له أن يدون كل ما يتفوه به ، بل عليه أن يميز في سياق خطابه المحاور الأساس للموضوع الذي يعالجه ، عن التفاصيل والشروحات والأسئلة والأقواس المفتوحة والتكرار  والجمل الطويلة . فكل ذلك مما ينبغي إهماله أثناء تدوين رؤوس الأقلام . فالهدف من تسجيلها هو إعادة إنتاج ما هو أساس ومحوري من الخطاب أو المحاضرة ،بحيث يمكننا تذكر كل الجوانب المهمة والثانوية من المحاضرة أو الخطاب ، بمجرد مراجعتنا لما دوناه من خلاصات للأفكار التي تم التعبير عنها .(2)

- إتباع الترتيب المنطقي للأفكار ، وتحديد العلاقة القائمة بينها .

- اعتماد طريقة اقتصادية في التدوين مثل الرموز  والخطوط  والأسهم والألوان ، لإبراز الأفكار المهمة وعناوين الفقرات .  

وخلاصة القول إن مهارة تدوين رؤوس الأقلام هي إحدى مهارات التواصل اللغوي التي ينبغي علينا اكتسابها واتباع إجراءاتها لأنها وسيلة مهمة تمكننا من التقاط الأفكار والمعارف،  وتعيننا على قراءة الكتب والمراجع بكيفية منظمة ، واستثمار مضامينها في كتابة الموضوعات ، وإعداد العروض، والتدخل أثناء المناقشة .

مهارة التلخيص

  1-تحديد المفهوم:

       يعرف جينا أبو فاضل التلخيص بقوله: « أن تلخص نصا مسموعا أو مكتوبا يعني أن تضغط أبرز ما جاء فيه ، مراعيا عدد الكلمات المطلوب منك »(3)
ويمكن تعريف التلخيص بأنه عملية موضوعية للنص، تقوم على اختزاله في شكل مركز يحفظ له معناه الأساس ويقلصه في عبارات موجزة.

2-إجراءات التلخيص:

يتطلب التلخيص إتباع ثلاث مراحل أساسية هي:

المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل التلخيص: 

ونقوم فيها بالإجراءات الآتية: 
إن كان النص مسموعا، احصر انتباهك السمعي جيدا. أما إن كان مكتوبا ،فاقرأه عدة مرات إن لزم الأمر، قراءة متمعنة بهدف تكوين فكرة عامة عنه، وإدراك النواة الأساس فيه.

تحديد نوعية النص ( شعر- مقالة – قصة ... )

حصر حجم النص: وذلك بإحصاء عدد الأسطر التي تألف منها ،وذلك حتى يمكن اختزالها بشكل يناسب حجم التلخيص المطلوب.

حصر الكلمات المفاتيح للنص ، بغية إنجاز تلخيص موضوعي له.

المرحلة الثانية: مرحلة التلخيص

ونقوم فيها بما بأتي:

تحديد الأفكار الرئيسة والثانوية في كل فقرة من فقرات النص ،وصياغتها بأسلوب شخصي لا بأسلوب المؤلف.

لا ينبغي للملخص أن يزيد على النص ما ليس فيه ، فلا يؤول ، ولا يحرف ، ولا يعلق ،ولا يعبر عن رأيه ن بل يكون ناقلا وفيا لآراء المؤلف.

ينبغي للملخص أن يتكلم بلسان المؤلف، فلا يبدأ تلخيصه أبدا ب « يقول المؤلف... », أو « يعالج هذا النص ...», أو ما شابه ذلك، بل يضع نفسه مكان المؤلف، ويتكلم بلسانه. (4)

حذف الجمل الزائدة والتفاصيل والأمثلة، وإهمال الحشو والإطناب والتكرار.

تحديد أدوات الربط التي تجمع بين الأفكار والجمل ( الواو – ثم – غير أن – لكن...) وذلك حتى لا يأتي النص مفككا بل متماسكا.

المحافظة على تسلسل الأفكار وترتيبها المنطقي، بحيث لا نقدم فقرة على أخرى، أو جزءا على آخر.

الحرص على أن يكون حجم الأقسام والأجزاء في التلخيص مناسبا لحجمها في النص الأصلي.  


المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد التلخيص
وتتجسد في القيام بما يأتي:

إعادة قراءة التلخيص لتصحيحه لغويا وتعبيريا، والتأكد ما إذا كان النص مترابط الجمل ،متماسك البنية ، وحجمه يناسب حجم التلخيص المطلوب.

احترام أدوات الترقيم حتى يكون المعنى واضحا.

ومن الفائدة بمكان أن نشير في هذاالمقام إلى أن التلخيص يختلف عن التكثيف في كون هذا الأخير نشاط شبيه بتلخيص النص،  إلا أنه يكون شديد الاختزال والتركيز. ويكون تكثيف النص عادة في فكرة مصاغة  في جملة أو جملتين أو ثلاث تترجم الفكرة العامة للنص ، وقد يكون في جملة ، وقد يكون في كلمة أو كلمتين وذلك حين نكون بصدد وضع عنوان للنص . 


مهارة التصميم المنهجي للموضوع


تحديد المفهوم:
      لامرية أن الكتابة والتعبير لا يقتصران على جمع الأفكار واستدعاء المعارف،بل إنهما يتطلبان إنتاج نص مترابط العناصر،منسجم الأفكار، متناسق الجمل، محكم التصميم.
وإذا كان كل بناء في حاجة إلى تصميم، سواء أكان منزلا أم حماما أم مسجدا أم مسرحا،فكذلك كل نص لابد له من تصميم، سواء أكان مكتوبا أم مسموعا،وسواء أكان مستقلا أم جزءا من كل، كفصل من كتاب أو كمقطع من فصل. 
فما معنى التصميم المنهجي لنص أو موضوع ؟
يعرف شاهين كلاس التصميم بقوله : « أن تكتشف فكرة النص الأساسية وأفكاره الثانوية،والعلاقة القائمة بين هذه وتلك من جهة، وبين الأفكار الثانوية من جهة أخرى ». (5)
ويمكن تعريف التصميم أيضا بأنه طريقة عرض الأفكار وبناء أسلوب التعبير عنها، وذلك بحصر الإطار العام للموضوع في نقط مركزة ومرتبة ومتدرجة بشكل منطقي، يفضي أولها إلى ما يليه في تلاحم وتعالق.
فالتصميم هو أحد آليات وأساليب إيصال المعلومات إلى القارئ أو المتلقي بشكل واضح وسليم. إنه هيكل ينظم الأفكار،وإطار ينسق بين المعلومات. وبدونه تبقى الأفكار والمعلومات مشتتة وغير منسجمة فيما بينها، فيصعب إيصالها إلى القارئ أو المتلقي. 

2-عناصر التصميم المنهجي للموضوع:

      يتضمن التصميم المنهجي لأي موضوع مقدمة وعرضا وخاتمة. وكل غياب لأحد هذه العناصر في عملية التواصل الشفهي أو التحريري ، يعد مسا بجوهر الموضوع وإخلالا بمنهجه.

      أ- المقدمة وإجراءات بناء تصميمها:

      تشكل المقدمة مطلبا منهجيا أوليا في معالجة كل موضوع وفي تحليل أي نص، سواء أكان مكتوبا أم مسموعا. وتأتي أهميتها من كونها تحمل دلالة الإفضاء إلى ما بعدها، أي أن وظيفتها  هي أن تخدم ما يليها، بتضمنها الموجز له أو إيحائه به. ويشترط فيها الجودة. لذلك قال أحد الكتاب: « أحسنوا معاشر الكتاب الابتداءات،فإنهن دلائل البيان » (6). واعتبر ابن الأثير « المبادئ والافتتاحات من أركان الكتابة »(7)، وأن الكاتب هو من أجاد المطلع والمقطع.(8)

ولوضع مقدمة جيدة لكل موضوع سواء أكان يندرج في إطار التواصل التحريري أم الشفهي،علينا إتباع الإجراءات الآتية:

*تقديم عام للموضوع من خلال التعريف به ،والإشارة إلى أهميته، وتحديد إطاره العام.

* تحديد الإشكالية التي يطرحها الموضوع، وصياغتها بعبارات واضحة.

* إبراز العناصر أو الجوانب المراد معالجتها في العرض والتحليل بإيجاز وتركيز، (يعني تحديد الخطوات التي ستتبع في التحليل،بحيث تتضح معالم الموضوع، ويظهر سياق المعالجة، وتفترض الاحتمالات المتوقعة ).

علاوة على ما سبق،  ينبغي أن تكون المقدمة موجزة ومركزة. وقد تنبه النقاد العرب القدامى إلى ذلك، فذكروا أنه مما يعيب قصيدة المديح أن يكون استهلال القصيدة من نسيب وغيره، أطول من أبيات المديح. وقد كان الشاعر الأموي « ذو الرمة » لا يجيد المديح، وكانت مقدماته تمتاز بالطول المفرط حتى ليستغرق وصفة للأطلال واسترجاعه لعهوده الخالية فيها أكثر أبيات القصيدة، وحتى لا يكون بين المقدمة وموضوع القصيدة الأساس أي تناسب أو تناسق.
والقدماء يقولون إنه مدح الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بقصيدته الميمية التي تبلغ 48 بيتا،والتي مطلعها:
ألا أيها المنزل الدارس اسلم   ۞   وسقيت صوت الباكر المتغيم

فلم يمدحه إلا ببيتين، بينما وصف منازل محبوبته " مية " وما يكابد من المواجع لبعدها عنه في 17 بيتا. كما وصف ناقته في 29 بيتا. وبذلك تكون المقدمة الطللية  التي صدر بها مدحته لعبد الملك، هي والجزء التقليدي الذي يتعلق بموضوع المدحة، من وصف الناقة والرحلة إلى الممدوح 46 بيتا.  مما أغضب عبد الملك، وحمله على أن يقول: « ما مدحت بهذه القصيدة إلا ناقتك، فخذ منها الثواب ».

هذا، وإذا كانت المقدمة هي « أول ما يقرع السمع» على حد تعبير ابن رشيق القيرواني، فإنه ينبغي أن تحمل بين تضاعيفها ما يجذب الأسماع. وقد فطن النقاد القدماء إلى ذلك ومنهم أبو هلال العسكري الذي قال: « وإذا كان الابتداء حسنا بديعا، ومليحا رشيقا،كان داعية إلى الاستماع لما يجئ بعده من الكلام ». (10)

لذالك ألفينا الشعراء الجاهلين  والإسلاميين والأمويين وبعض الشعراء العباسين لا يستهلون قصائدهم المدحية بالمدح الذي هو الغرض الأساس، بل يمهدون لها بمقدمة لا تخلو من عنصر التشويق، إذ تتضمن البكاء على الأطلال، لما يتضمنه هذا البكاء من غزل حزين، ويصلون ذلك بالنسيب، فيشكون شدة الوجد وألم الفراق مع محبوبا تهم، ليميلوا نحوهم القلوب، ويصرفوا إليهم الوجوه، وليستدعوا به أصغاء الأسماع إليهم،لأن التشبيب –  كما يقول ابن قتيبة – قريب من النفوس، لائط بالقلوب، لما قد جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء. فإذا استوثقوا من الإصغاء إليه، والاستماع لهم،انتقلوا إلى وصف رحلتهم وما كابدوا فيها من عناء ومشقة، وذلك حتى يستدروا عطف ممدوحيهم، ويهزوا أريحيتهم، فيقدرون ذلك العناء، ويمنحونهم عطاء جزيلا. فإذا انتهوا من ذلك كله ولجوا باب المدح. (11)

وهكذا فالشاعر القديم كان يدرك الأثر النفسي الكبير الذي تتركه المقدمة لدى  المتلقي، لذلك كان يستهل قصائده المدحية بما يجذب إليه أسماع المتلقي عموما، والممدوح بصفة خاصة. وبذلك ، فالمقدمة تكتسي أهمية كبيرة في عملية التواصل الشفهي والتحريري. وتعد أول مظهر بارز من مظاهر صنعة الكلام. لذلك ينبغي تجويدها وإخراجها في ثوب أنيق، وصياغتها في قالب جميل،  فيه وضوح وإغراء، وقوة وتأثير.

ب -العرض وإجراءات بناء تصميمه:

لا مشاحة أن عرض الموضوع هو صلبه،وهو أهم وأطول جزء في الكتابة الإنشائية. وله ارتباط وثيق بمقدمة الموضوع وخاتمته.

ومن أهم الإجراءات التي ينبغي اعتمادها في إنجاز عرض الموضوع:

* مناقشة الإشكالية المطروحة في المقدمة، وتبيان منطلقاتها وآفاقها.

* الكشف عن أنواع العلاقات بين أفكار النص وقضاياه، وبيان المدلولات القريبة والبعيدة لكل فكرة أو قضية، وذلك بالاعتماد على التحليل والتعليل والبرهان والجدل والمقارنة والاستقراء.

* إدراج الرأي الشخصي في الإشكالية المطروحة أثناء التعليق والنقد على بعض العناصر الجزئية المكونة للموضوع، مدعما ذلك بالأدلة الموضوعية والحجج والإستشهادات ، مع التقيد بمبادئ النقاش المتمثلة في الدقة في التحقيق، والأمانة في العرض، والنقد بلا تجريح،والتعليل بلا تحامل، والترجيح بلا انحياز، والنقاش بلا مكابرة، والاتصاف بالإنصاف والعدالة والتواضع والتسليم للحق . ولنحذر من أن نضيف إلى أنفسنا فضلا ليس لنا، أو أن نمسك عن إرجاع رأي إلى صاحبه،أو أن نعنف بمخالفة في الرأي، فننحدر إلى السخرية به أو الطعن فيه. (12)

* ينبغي أن يكون التحليل ذا منطق تصاعدي، ومترابط الأقكار من العام إلى الجزئي، أو من الجزئي إلى العام،وأن يكون مسهبا مع توخي الدقة والوضوح.

*  ينبغي أيضا في غمرة التحليل تجنب الاستطراد، فإنه يفكك الموضوع، ويخل بوحدته وانسجامه، وذلك كأن نضيف جملة أو جملا، أو فقرة أو فقرات لا يتطلبها الهدف الذي نحاول الوصول إليه.  فمثلا هذا الاستطراد قد يحدث قلقا وارتباكا للمتلقي. وهو على أي حال يقطع لذته التي ركزها في تتبع نقطة ما، وقطع هذه اللذة يغضبه، ويؤثر في مسرته، وفي مدى انقياده للموضوع. (13)

تلك هي إذن بعض الأساليب المنهجية لاكتساب مهارة بناء عناصر عرض الموضوع وتحليله، سواء أكان شفهيا أم تحريريا. فماذا عن الخاتمة ؟ 

ج - الخاتمة وإجراءات بناء تصميمها:

تشكل الخاتمة المطلب المنهجي الأخير في عملية التواصل الشفهي والتحريري. وهي آخر ما يبقى في الأسماع. قال اين رشيق القيرواني: « وخاتمة الكلام أبقى في السمع، وألصق بالنفس، لقرب العهد بها، فإن حسنت حسن، وإن قبحت قبح. والأعمال بخواتيمها كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ». (14)

وعلى هذا الأساس، ينبغي تجويد الخاتمة وإتقانها. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، ينبغي الاعتماد على الإجراءات الآتية:

*  أن تكون الخاتمة عبارة عن خلاصة تركيبية مقتضية ومركزة لمختلف النقاط التي تمت مناقشتها في العرض، وتصاغ بألفاظ عامة ومختلفة عن تلك الصيغ التي اعتمدت في التحليل. فالخاتمة هي جوهر ما اشتمل عليه الموضوع، إنها نظرة سريعة في المراحل التي اجتازها. وقد تنبه العرب القدامى إلى ذلك، فألفينا ابن سينا يقول: « وللخاتمة دلالة تضمن ما قبلها، فهي تجمع ما ثبت، وتذكر في دفعة واحدة على سبيل التوديع للقول ».(15)

* في الخاتمة، ينبغي تقديم إجابة واضحة عن إشكالية الموضوع ومختلق التساؤلات المتفرعة عنها.

* بيان أن إشكالية الموضوع يمكن إدماجها ضمن إشكالية أعم، تدفع الموضوع إلى الانفتاح على آفاق أخرى.

وغني عن البيان أن الخاتمة ينبغي دائما ربطها بآخر فقرة في التحليل بواسطة بعض العبارات.

هكذا ومن خلال ما سبق، يتضح لنا أن معالجة أي موضوع يقتضي إجراءات ثلاثة أساسية هي: المقدمة والعرض (التحليل) والخاتمة. وهذه العناصر شديدة الارتباط ببعضها البعض، مثلها في ذلك مثل الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد عن الآخر، وباينه في صحة التركيب، ترك الجسم ذا عاهة، فتختفي محاسنه.


مهارة البحث عن المعلومات ومعالجتها


        حين نعالج إشكالية أو قضية، ونريد الإجابة عن مختلف التساؤلات المتفرعة عنها،نحتاج إلى معلومات ومعارف مرتبطة بها . وللحصول على هذه المعلومات لا مناص لنا من الاتصال بمصادرها.
ويمكننا حصر المصادر المكتوبة للمعلومات فيما يأتي:

المصادر: يمكن أن تكون هي الوثائق التي ألفها الكاتب المقصود بالبحث، أو الكتاب الأساس موضوع البحث.
وقد تكون هي أقدم ما يتضمن مادة عن موضوع ما،مثل الشعر والشعراء لابن قتيبة والعمدة لابن رشيق القيرواني. وقد تكون المصادر حديثة؛ كالإحصائيات التي تنشرها الحكومات من حين لآخر عن التعداد، وعن الصادرات والواردات، والميزان التجاري...

المراجع: هي الوثائق التي تناولت المصادر أو الموضوع المتناول  بالدراسة.

والفرق بين المصدر ) (source والمرجع ((référence هو أن المصدر مرجع دون العكس. وكثير من الباحثين يميلون إلى استخدام مصطلح المرجع الأصلي للتعبير عن المصدر.

وتجدر الإشارة إلى أنه ينبغي في البحوث والرسائل الجامعية الاعتماد أكثر على المصادر، لأنه كلما كثرت الحقائق المستقاة منها، عظمت قيمة البحث أو الرسالة، وبخاصة إذا كانت هذه الحقائق وتلك المعلومات لم تتصد لها يد من قبل، ولم يسبق لأحد أن اقتبسها. 

المخطوطات: وهي الوثائق المكتوبة بخط اليد.

اليوميات و السير : وهي التي يكتبها الشخص عن نفسه أو عن غيره؛ مثل " الأيام " لطه حسين، و " عبقرية الصديق " للعقاد.

المعاجم : وهي أنواع؛ فهناك المعاجم اللغوية ؛ مثل لسان العرب لابن منظور، وتاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، والمعاجم الطبية؛  مثل الجامع لمفردات الأدوية 
     والأغذية لابن البيطار الأندلسي المالقي، والمعاجم الجغرافية؛ مثل معجم البلدان لياقوت الحموي...

الموسوعات : وتشتمل على مفاهيم وأحداث وأخبار تكون مصنفة بحسب معايير معينة،مثل: نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري (ت 733ه  )، وصبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي (ت 821 ه).

الملفات والسجلات : وهي وثائق ذات طابع إداري في الغالب، تحمل معلومات عن شخص أو موضوع معين.

الآثار الإبداعية : وهي ما أنتجه الأدباء من شعر ونثر.

البرمجيات : وتشمل المعلومات المبرمجة في أجهزة الكمبيوتر. 

وللحصول على المعلومات من الكتاب،  ينبغي مراعاة ما يلي:


فحص الكتاب من الخارج: (عنوان – صاحب الكتاب – نوعه – اسم دار النشر...) كما نلاحظ ما إذا ورد في ظهر الغلاف ملخص الكتاب، أو تعريف بمؤلّفه، أو بمضمونه،أو إشارة إلى مؤلفات أخرى للمؤلف.  

فحص الكتاب من الداخل: وذلك بقراءة المقدمة والخاتمة، وعدد الأبواب والفصول، ونوع الفهارس التي يحتويها الكتاب...

وينبغي توثيق المعلومات المعالجة وذلك بالاعتماد على الإجراءات العملية الآتية :

ذكر اسم المؤلف: فعند كل إسناد،  ينبغي ذكر اسم الكاتب، وإلاّ عدّ ذلك انتحالا.إلا إذا كانت المعلومات والحقائق المستقاة من الكتاب عامة وشائعة، وليست من قبيل الآراء الخاصة. ففي هذه الحالة يجوز ذكرها بدون أن يثبت لها مرجع قديم أو حديث.

وإذا غيرنا في كلام المؤلف، فإننا نشير إلى ذلك في الهامش بوضع كلمة (بتصرف) بين قوسين.
ويجوز أن نحذف من الفقرة التي نقتبسها كلمة أو جملة لا نحتاج إليها في موضوعنا، على ألا يضر الحذف بالمعنى الذي يريده الكاتب الأصلي.
وفي حالة الحذف يجب أن توضع نقط أفقية متتابعة في موضع الحذف.

وفي بعض الحالات, قد نضطر أن نضيف كلمة أو كلمات في أثناء الاقتباس لنشرح شيئا أو لنبين مرجع ضمير أو نحو ذلك،ولابد إذا أن توضع هذه الزيادات داخل علامتين مثل[ ] .

وإذا كثرت الاقتباسات من المصادر والمراجع في ثنايا بحث أو رسالة جامعية مثلا، فعلينا أن ننسق بين هذه الاقتباسات تنسيقا بديعا ،  وأن لا توضع خالية من التقديم والمقارنة والتعليق على حسب الظروف ، وذلك حتى لا تختفي شخصية الباحث.(16)

هذا ، وإذا اشترك في تأليف الكتاب أكثر من ثلاثة ، نذكر اسم من اشتهرت صلة الكتاب به أكثر من سواه ، ونضيف كلمة آخرون ( فمثلا المعجم الوسيط قام بإخراجه إبراهيم أنيس و آخرون ).

وإذا كان مؤلف الكتاب غير معروف ، نكتب : لمؤلف مجهول ( مثل: الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية لمؤلف مجهول ).

ذكر عنوان الكتاب والجزء: ( إذا كان ذا جزء ) ،فالصفحة. وإذا تكرر مصدر أو مرجع في الصفحة نفسها بدون فاصل، فإننا نذكره في المرة الأولى كاملا، وفي المرة الثانية نذكره هكذا: المصدر نفسه / أو المرجع نفسه.

وإذا كان الاقتباس الثاني من الجزء والصفحة نفسهما ، تكون الإشارة هكذا: الجزء والصفحة نفسهما.

ذكر اسم الناشر أو المترجم (إن لزم الأمر )، فمكان الطبع ، سنة الطبع ، وأية طبعة الأولى أم الثانية...

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه ينبغي اعتماد طبعة واحدة من الكتاب إذا كانت طبعاته عديدة. ولتكن أجودها. فإذا كانت الطبعة الجيدة غير مكتملة أو غير موفورة بجميع أجزائها 
فلا بدّ من اعتماد صفحات الطبعة كاملة بعد الاستفادة من تحقيقات الطبعة الجيدة.
هذا ، وإذا كان المستند مخطوطا ، ذكر بعد اسم المؤلف وعنوان الكتاب، اسم المكتبة التي تملكه ، والرقم الذي سجل تحته ، ثم الصفحة المعنية.
وإذا كان المرجع مجلة أو صحيفة، فإننا نوثقها بوضع عنوان المقال واسم مؤلفه، واسم المجلة،  ورقم العدد، والسنة، فالشهر، فالصفحة.  
وإذا كان المرجع محاضرة أو مقابلة خاصة، وجب تدوين تاريخها ومكانها. ويقول أحد الدارسين بوجوب تدوين أسماء بعض الموجودين من الحضور كشاهدين.

 وحصيلة القول ، إن اكتساب مهارة البحث عن المعلومات ومعالجتها  يسعف  الباحث على تيسير عملية البحث عن المعلومات، ويمكنه من توثيقها وفق معايير علمية، ومن معالجتها بدقة وموضوعية.
مهارة الاستدلال والبرهنة

      نروم في إطار هذه المهارة اكتساب أساليب منهجية لتحليل المفاهيم ، وتقديم مبادئ للتفسير واستخدام البرهان، فمعالجة موضوع – أو إشكالية – يحتوي مفهوما ، تستدعي تحديد المفهوم ،ومن أجل تفسير مبدأ أو قضية ، ينبغي استخدام أساليب التفسير.

ولكي نستدل على صحة موقف أو رأي نتبناه، ومن أجل فحص رأي معين , ينبغي التوسل بأدلة ملموسة كالشواهد ، وبأدلة عقلية منطقية، من أجل إقناع المتلقي بما نذهب إليه . وبدون تقديم أدلة وبراهين ،  يبقى موقفنا إزاء أي قضية ضعيفا ولا يعتدّ به.

وهكذا ،  من أجل اكتساب مهارة الاستدلال والبرهنة ،يمكن نهج الأساليب الآتية:

- أساليب تحديد المفهوم
- أساليب التفسير
- أساليب البرهنة


1-أساليب تحديد المفهوم:

        ينبغي أن ندرك أن استخدام أساليب لمعالجة مفهوم وارد في إشكالية ما يسمى استدلالا وهو لغة: طلب الدليل،ويعني في المنطق: إقامة الدليل. ويفيد في معناه العام « عملية عقلية ينتقل بها الفكر من أشياء مسلم بصحتها إلى أشياء أخرى ناتجة عنها بالضرورة وتكون جديدة عن الأولى »(19). أما مقاربة إشكالية ما تتضمن مفهوما، فتكون باعتماد أحد الأسلوبين: أسلوب الاستقراء أو أسلوب الاستنباط.

الأسلوب الاستقرائي: (  induction) هو الانطلاق من الجزء إلى الكل ، من الخاص إلى العام ، أي من تحليل العلاقات مابين أفكار جزئية ،لاكتشاف الخط العام الرابط فيما بينها.
فنهج هذا الأسلوب يعني أن نرصد المثال أو الظاهرة ، ونستخرج منها خصائص تميزها، ثم نعممها ، ونستقرئ منها مفهوما.

الأسلوب الاستنباطي:  ( déduction)  وهو الانطلاق من العام إلى الخاص ، ومن الكلي إلى الجزئي ، لنبرهن على أن العام هو  لحمة الجزئي (19). وبتعبير آخر، فاعتماد هذا الأسلوب يعني أن نقدم أولا المفهوم، ثم نتدرج منه إلى أمثلة أو ظواهر لتأكيد المفهوم أودحضه.
ومن أمثلة ذلك , قول سقراط:
كل إنسان فان ــــــــــــ  ( مقدمة كبرى )
سقراط إنسان ـــــــــــ  ( مقدمة صغرى )
سقراط قان  ـــــــــــــ     ( نتيجة )

فقد انتقلنا من مقدمة كبرى إلى مقدمة صغرى ، لكي نصل إلى نتيجة ( سقراط قان ) التي هي متضمنة سلفا في المقدمة .
وفي تبسيطه لعملية الاستقراء والاستنباط يقول أحد أساتذة علم النفس بجامعة الإسكندرية:                   
  " وإذا كان الاستقراء عملية بحث،  فالاستنباط عملية برهان ، وكلاهما كالشهيق والزفير في عملية التنفس الفكري ". (19)

أساليب التفسير:

       يقتضي التعبير عن موقف دفاعي استخدام أساليب التفسير، من أجل إقناع المتلقي بشيء ما.  فما معنى التفسير؟ وما هي أساليبه ؟
التفسير يعني بيان مدلول ظاهرة عن طريق التعريف بها  أو وصفها  أو تعليل أسباب وجودها ، أو بحث علاقة التماثل والتشابه بينها وبين ظواهر أخرى. ويكون ذلك باعتماد أساليب التفسير والتي منها: التعريف والسرد والوصف والتشابه.

التعريف: وصف ماهية المعرف، أو مدلوله،أو تحديد لخصائص تميزه، أو وظائف يقوم بها، سواء أكان هذا المعرف مفهوما أم ظاهرة.
السرد: هو أسلوب نوظف فيه الأحداث والوقائع لتفسير مفهوم أو موقف.
الوصف: هو أسلوب نبين فيه مكونات الظاهرة وعناصرها.
التشابه: هو أسلوب نفسر به ظاهرة عن طريق مقارنتها بظواهر تشبهها.

تلك إذن هي أشهر أساليب التفسير السائدة بين طرفي التواصل اللغوي. بيد أنها غير كافية لإقناع المتلقي بموقفك أو وجهة نظرك، بل لابد من التسلح بأدلة وبراهين.

أساليب البرهنة:

ويمكن حصرها في نوعين من الأدلة: 

أدلة ملموسة: كالشواهد من الشعر والأحداث والعصر وأقوال الآباء.

أدلة عقلية: تعتمد على مبادئ منطقية. وأبرزها ما يأتي:

عدم التناقض: تناقض قضيتين داخل سياق واحد. فالشخص لا يمكن مثلا أن يكون داخل الدار وخارجها.
التماثل: نبين انطباق الشيء نفسه على معطيين أو سياقين مختلفين.
التعدي: نبين تعالق أو ارتباط قضيتين أو مسألتين بواسطة ثالثة توجد بينهما.
التضمن: نؤكد أن ما ينطبق على الكل ، ينطبق على الجزء.
التوقع: نستدل على قضية بإمكانية وقوعها.
الافتراض: نتوقع آثار أو نتائج ستحدث إذا طبقنا أو استعملنا معطى معينا.
البديل: نطرح بديلين، ونفترض أن اختيار أحدهما تكون له نتائج معينة في قبول الدعوى أو رفضها.

ولا بد في هذا المقام من التنبيه على أن المرسل حين يورد أدلة ليدعم رأيا معينا ، فإن عليه أن يبدأ بأبسط هذه الأدلة ، ثم يتبعه بآخر أقوى منه . وهكذا يتدرج في إيراد فكرته،  حتى إذا ما نقل المتلقي أو القارئ من جانب المعارضة إلى جانب التشكيك ، ألقى بأقوى أدلته لتصادف عقلا مترددا ، فتجذبه وتنال تأييده. كما على المرسل أن لا يكثر من إيراد براهين على مبادئ مسلّم بها، أو يمكن التسليم بها بسهولة. فمن الواجب أن تطرد قلة الأدلة أو تكثر مع التسليم بالرأي أو الإمعان في مخالفته.(20)
 و يستشق مما سبق أن الاستدلال على آرائنا ومواقفنا ، سواء في التعبير الشخصي أو الكتابي ، لا يكون بتلقائية ، وإنما له أساليب معينة يمكننا اكتسابها من الإدلاء بأفكارنا والدفاع عنها بالكيفية التي تتيح لنا تحقيق أهدافنا وبلوغ غاياتنا.      

مهارة  المقارنة والموازنة

1-تحديد المفهوم:

      المقارنة والموازنة تتطلبان إيجاد العلاقات بين الظواهر ، وتقصي المواطن الالتقاء والاختلاق في ضوء معايير محددة.
و إذا كانت المقارنة تلتزم قدرا من الموضوعية، فإن الموازنة تعني إصدار حكم نفضل فيه جانبا على آخر. 

2- إجراءات المقارنة والموازنة:

          إن المقارنة و الموازنة بين ظاهرتين أواتجاهين تستلزم استخدام مهارات وأساليب منها:

- الربط وإيجاد العلاقة بين الظاهرتين ، من خلال استحضار عوامل بروزهما وأسبابهما. وقد تكون هذه العوامل ذاتية تتصل بثقافة كاتب أو سيرته ، أو موضوعية تتعلق بعوامل بيئية واجتماعية وثقافية.
- شرح كل من الظاهرتين أو الاتجاهين قي ضوء خصائص داخلية تميزهما، كالمعجم والأفكار والتراكيب والمنهج  والبنية. ويكون بحث العلاقات بين أجزاء كل ظاهرة أو اتجاه وعناصرها سبيلا إلى تمييز خصائصها.
- المقارنة بين الظاهرتين أو الاتجاهين من خلال عواملهما أو خصائصهما.
- استخلاص أجوبة المقارنة ونتائجها.


 والخطاطة التالية توضح ذلك:
                                                                       
                                                                                    ثقافة الكاتب
                                               عوامل ذاتية                      سيرته
                                                                                    نتاجه الأدبي
العلاقة الخارجية
                                                                                       عوامل بيئية
                                             عوامل موضوعية                    عوامل اجتماعية       
                                                                                       عوامل ثقافية


                                           
                                                                     
  المعجم أو الأفكار
                                   العلاقات بين                    التراكيب و الجمل
                                                                      عناصر أخرى
العلاقة الداخلية
                                                                     نظام الفقرات
                                   البنيـــات                       المنهج المتبع
                                                                     بنية النص و نظامه




2- معايير المقارنة والموازنة:

       إن المقارنة بين أديبين أو مفكرين أو شاعرين تفرض رصد مختلف نقط الائتلاق والاختلاق بينهما ،مع مراعاة انتمائهما لعصر واحد ،أو لاتجاه أدبي أو فكري واحد، حتى لا يتم إسقاط أحكام لا تاريخية على أي رأي أو موقف.
كما ينبغي أن نقارن بينهما من خلال معايير واضحة ومحددة، حتى لا نغبط أي واحد حقه ، كأن نحصر معايير المقارنة في جانب واحد، مثل المقارنة بين نصين من حيث الفكرة،  أو من حيث الشكل، أو المعجم...
ويمكننا الجمع في المقارنة بين أكثر من معيار واحد،  كأن نقارن بينهما من حيث الفكرة والشكل معا. أما الموازنة أو المفاضلة، فتتطلب إلى جانب ما سبق، التوسل بمعيارين للحكم والمفاضلة، هما:

مفاضلة بمعيار الكم: وهي مفاضلة تعتمد مقدار ما أنتجه المؤلف مثلا في مجال معين كأن نقول إن شوقي ضيف أكثر كتابة في الأدب العربي من نجيب محمد البهبيتي.

مفاضلة بمعيار الكيف: وهي مفاضلة أو موازنة نقارن فيها بين مؤلفين مثلا في جانب معين ،وبحسب معايير كيفية ، كالإتقان والبراعة والعمق...

وجملة القول، إن المقارنة والموازنة بين أديبين أو ظاهرتين أو نصين أو خطابين تواصليين، تفرض رصد مواطن الائتلاف والاختلاف بينهما ، مع الالتزام بوحدة المعيار المعتمد لرصد تلك المواطن.
وتكون المفاضلة بينهما بتوظيف معايير كمية ( أكثر – أقل...) , أو معايير كيفية ( أحسن – أفضل...).

خــــــــاتـــــمــــة:

ومن حصاد ما تقدم ، يتبين لنا أن عملية التعبير والتواصل عملية معقدة بحق ، تتطلب الإلمام بإجراءات منهجية ومهارات تواصلية . وقد تعرضنا في هذه الدراسة إلى عدد منها ، ورصدنا بعض الإفادات المعرفية والتوجيهات المنهجية اللازمة لاكتسابها  والتمكن منها. ونرجح أن تفتح أمام القارئ آفاقا جديدة في التمرس باستراتيجيه الكتابة والتخاطب ، والتي لا نرى مناصا منها لكل راغب في امتلاك تقنيات التعبير ومهارات التواصل ، وذلك بالنظر لما يقدمه هذا النوع من الدراسات التواصلية من وسائل وإمكانيات لتجسير التواصل وتأهيل الذات.

********************************************************
 الهوامش:
(1) الجريدة الرسمية اللبنانية ،(2) عدد 37 ،(3) 1998 ،(4) 12/1

(5) المنهجية في الدراسة والاستيعاب – مرشد عملي للطلاب الجامعيين – على حسني ،(6) ص:14-15،(7) مطبعة النجاح الجديدة،(8) الدار البيضاء،(9) ط:1،(10) 1995م.
     وانظر أيضا: تدوين رؤوس الأقلام ، ندى كفوري خوري ص: 7 ، سلسلة منهجية التعبير رقم 1 ، إشراف: هنري عويس ، مركز الأبحاث والدراسات، ط1 ،1992م.

(11) التلخيص ،(12) جينا أبو فاضل ،(13) ص:7 ،(14) سلسلة منهجية التعبير رقم 4 ،(15) إشراف: هنري عويس .
(16) نفسه ص:9

(17) التصميم ،(18) شاهين كلاس ،(19) ص: 7-8 ،(20) سلسلة منهجية التعبير رقم 3 ،(21) إشراف: هنري عويس دار المشرق،(22) بيروت ،(23) ط1 ،(24) 1992م.

(25) كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري ،(26) ص:431 ،(27) تحقيق: على محمد البجاوي ،(28) ومحمد أبو الفضل 

(29) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير،(30) 1/96 ،(31) تحقيق: أحمد الحوفي وبدوي طبانة ،(32) دار نهضة مصر،(33) الفجالة ،(34) القاهرة.

(35) نفسه ،(36) الجزء والصفحة نفسهما. ".والمطلع هو الابتداء ،(37) وهو أول ما يقع في السمع من كلامك،(38)  والمقطع هو آخر ما يبقى في النفس من قولك. ( الصناعتين ص:435 ).
(39) لذلك نجد العربي اسليماني في كتابه « التواصل التربوي »  (ص 104 ،(40) مطبعة النجاح الجديدة ،(41) الدار البيضاء ،(42) ط 1 ،(43) 2005 ) يقول إنه مما ينبغي أثناء إلقاء درس في وضعية   تواصلية تعليمية أن يتضمن في مقدمته إحداث التأثير والتشويق منذ الدقائق الأولى،(44) وذلك بالسؤال أو إثارة مفارقة أوإشكالية.  
(45) كتاب الصناعتين  ص: 437.

(46) انظر في هذا الصدد كتاب: الشعر والشعراء لابن قتيبة الدينوري ص: 31-32 ،(47) دار إحياء العلوم ،(48) بيروت،(49) ط5،(50) 1994م.
(51) إعداد الأطروحة الجامعية ،(52) كمال اليازجي ،(53) ص: 46 ،(54) دار الجيل،(55) بيروت ،(56) ط 2 1996م.

(57) كيف تكتب بحثا أو رسالة -  دراسة منهجية لكتابة البحوث و إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه –.
أحمد شلبي ص : 91 ،مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة ، ط 14 ،1982م.

(58) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لأبي الحسن بن رشيق القيرواني ( ت 456 ﻫ ) ،(59) 1/217 ،(60) تحقيق وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد ،(61) دار الجيل ،(62) بيروت،(63) ط 5 ،(64) 1981م.

(65) كيف تكتب بحثا أو رسالة ( مرجع سابق ) ص: 106.

(66) نفسه ص 104 – 105 – 106.
(67) وهو كمال اليازجي في كتابة « إعداد الأطروحة الجامعية » - مرجع سابق – ص: 53.

(68) المعجم الفلسفي ،(69) عبد المنعم حفني ص: 17 ،(70) دار ابن زيدون،(71) بيروت ،(72) ط 1 ،(73) 1992م.

dictionnaire de la langue philosophique, Paul Fouliqué,  paris 1982          

(74) أصول علم النفس ،(75) حمد عزت راجح ،(76) ص: 36 ،(77) المكتب المصري الحديث ،(78) الاسكندرية،(79) 1997م.
(80) كيف تكتب بحثا أو رسالة ( مرجع سابق ) ص: 91 و 98.

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites